ظاهرة التنمر… أنواعها، أسبابها، وطرق علاجها
في الآونة الأخيرة، باتت ظاهرة التنمر موجودة في كل مكان، سواءً في المدرسة أو المنزل أو الشارع أو حتى مكان العمل، فهي ليست حكرًا على مجالٍ أو مكانٍ معين، ولا تقتصر على الأطفال فحسب، بل تغلغلت هذه الظاهرة الخطيرة لتخترق عالمنا بشكل كبير، حتى أصبحت تمارس على الكبار أيضًا. ارتأينا أن نضع بين يديك في هذا المقال تفصيلًا وافيًا عن ظاهرة التنمر، متطرقين للحديث عن أنواعها وأسبابها وطرق علاجها وآثارها السلبية على شخصية الأفراد والمجتمعات، آملين أن يخلو المجتمع من المتنمرين، وأن يُوضع حدًا لتفشّي هذه الظاهرة الخطيرة.
ما هو التنمر؟
يُعرف التنمر بأنه ظاهرة عدوانية وغير مرغوب بها تنطوي على مُمارسة العنف والسلوك العدواني من قبل فردٍ أو مجموعة أفراد نحو غيرهم، وتنتشر هذه الظاهرة بشكلٍ أكبر بين طلّاب المدارس والمراهقين، وبتقييم وضع هذه الظاهرة من قِبل المختصّين تبيّن أن سلوكياتها تتّصف بالتّكرار، أي أنها قد تحدث أكثر من مرة.
تعبّر ظاهرة التنمر عن وجود اختلال في ميزان القوى والسلطة بين الأشخاص؛ إذ يلجأ الأفراد الذين يمارسون التنمر إلى استخدام القوة البدنية للوصول إلى مبتغاهم من الأفراد الآخرين، وفي كلتا الحالتين، سواءً أكان الفرد من المتنمرين، أو يتعرّض للتنمّر، فإنه معرّض لمشاكل نفسية خطيرة ودائمة.
انواع التنمر
يُقسم التنمر، بحسب الدراسات التي أجرتها العديد من المنظمات العالمية، إلى الأشكال الآتية:
التنمر اللفظي
ينطوي التنمر اللفظي بشكل أساسي على الإهانات والتهكم والشتائم بكافة أنواعها، ويمكن أن يبدأ على شكل مضايقة أو إهانة، لكن سرعان ما يتطور إلى عنف لفظي. في الوقت الحاضر، يحدث هذا النوع غالبًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، وقد لا يقتصر على الأطفال داخل المدارس فحسب، بل يشمل البالغين والكبار أيضًا.
التنمر الجسدي أو البدني
يعد هذا النوع من التنمر الأكثر وضوحًا، ويحدث عندما يستخدم الأطفال أو الكبار أفعالًا جسدية، بهدف اكتساب القوة والتحكم في أهدافهم؛ إذ يميل المتنمرون الجسديون إلى أن يكونوا أكبر وأقوى وأكثر عدوانية من أقرانهم، ويشمل هذا النوع من التنمر: الضرب والركل واللكم والصفع، وغيرها من الاعتداءات الجسدية.
التنمر الاجتماعي
يُعرف التنمر الاجتماعي بتنمر العلاقات الاجتماعية، حيث يحاول فيه المراهقون إيذاء أقرانهم أو تخريب مكانتهم الاجتماعية، من خلال تركهم وحيدين ودفع الآخرين إلى ترك صحبتهم، بالإضافة إلى نشر الإشاعات عنه.
التنمر في العلاقات الشخصية والعاطفية
يشبه هذا التنمر إلى حدٍ كبير التنمر الاجتماعي؛ إذ يتمثل في نشر الأكاذيب والشائعات عن شخصٍ ما، بهدف تشويه سمعته وتعريضه للفضائح، أو التقليل من مكانته وإبعاد الأشخاص عنه.
التنمر الإلكتروني
يحدث التنمر الإلكتروني من خلال الأجهزة الإلكترونية والرقمية؛ كالهواتف المحمولة وأجهزة الحاسوب والأجهزة اللوحية، أو وسائل التواصل الاجتماعي والمنتديات والألعاب، ويشمل هذا النوع من التنمر مشاركة معلومات شخصية أو خاصة عن شخص ما تُسبب له الإحراج أو الإذلال، وقد يتخطى هذ النوع من التنمر الحدّ إلى سلوك غير قانوني وإجرامي.
التنمر النفسي
يعتمد التنمر النفسي على استخدام النظرات والهمسات وغيرها من الحركات المؤذية، في سبيل إزعاج الطرف الآخر وإلحاق الأذى النفسي به.
التنمر المدرسي
يمكن تعريف التنمر المدرسي بأنّه تعرّض الطالب إلى سلوك عدواني غير مرغوب فيه بشكل مكرر؛ كالشتائم والتهديد والإغاظة، أو بالاحتكاك الجسدي المباشر؛ كالضرب والركل والدفع، بهدف إزعاجه وعزله عن الآخرين.
التنمر في أماكن العمل
يُعرف أيضًا باسم التنمر الوظيفي، وهو سلوك عدواني تجاه شخص ما من قبل شخص آخر أو مجموعة من الأشخاص، فقد يحدث من قبل زميل في العمل أو من المدير نفسه، وغالبًا ما يكون من الصعب رد تلك الإساءة أو الدفاع عنها؛ بسبب الخوف من فقدان الوظيفة.
التنمر الأسري
يحدث التنمر الأسري في الغالب من قبل الوالدين على الأبناء أو الأخوة فيما بينهم، أو حتى بين الأزواج والأقارب.
التنمر السياسي
يكمن التنمر السياسي في سيطرة دولة قوية على دولة أضعف منها، ويتم التنمر عن طريق القوة والتهديد واستخدام السلاح والقوة العسكرية.
اسباب التنمر
أمّا بالحديث عن أسباب التنمر، فقد أشارت بعض الدراسات النفسية، التي أجراها نخبة من العلماء، أن أسباب التنمر، سواءً عند الأطفال والكبار، تتمثل بما يأتي:
- عدم تقدير الذات والمعاناة من اضطراب الشخصية
- إدمان بعض السلوكيات العدوانية
- الإصابة ببعض الأمراض النفسية؛ كالاكتئاب
- التفكك الأسري، وعدم قيام الأهل بواجبهم في تربية الأبناء وتقويم سلوكهم
- اتّساع الفجوة بين طبقات المجتمع، خاصةً من الناحية الاجتماعية والمادية
- انتشار الألعاب الإلكترونية التي تشجّع العنف وتغرسه في عقول الأفراد
- غياب دور المدرسة عن تقويم الطلاب وتنشئتهم بطريقة سليمة
- غياب الوعي الديني والأخلاقي، وعدم الالتزام بقواعد الدين المفروضة، ما يدفع الشباب إلى عدم مراعاة شعور الآخرين والاستهزاء بهم
علاج التنمر
لا يقع علاج التنمر على عاتق الشخص المتعرّض له فحسب، بل على من حوله من الأفراد، إذ يجدر بهم اتباع بعض الأساسيات لزرع الثقة بنفس من تعرّض للتنمر ومحاربة المتنمرين مهما كانت أعمارهم، وفيما يلي بعض النصائح:
- دعم الأهل والأصحاب للشخص المتعرّض للتنمر والوقوف إلى جانبه واحتضانه، مع معاملته بلطف والابتعاد عن أساليب العنف والقسوة
- تثقيف أفراد المجتمع، من الكبار والصغار والمعلمين والوالدين، بطبيعة التنمر وحقيقته، وفهم سلوكيات الشخص المتعرّض للتنمر، لمساعدته على الخروج من هذه الحالة
- تعزيز ثقة الشخص المتعرّض للتنمر، مع مراعاة استشارة الأطباء النفسيين، للمساعدة على علاج هذه الظاهرة
- تربية الأطفال تربية سليمة وزرع الثقة في نفوسهم، لتجنب عواقب التنمر عند الكبر
اثار التنمر
للتنمر آثارٌ سلبية وخيمة تعود على نفسية الشخص المُتنمَّر عليه، وقد ينتج عنها سلوك عدائي، وفيما يلي بعض هذه الآثار كما وردت عن بعض الدراسات العالمية:
- لجوء الشخص الذي تعرّض للتنمر إلى استخدام أساليب العنف على اختلافها
- تحوّل الشخص الذي تعرّض للتنمر من شخص ودود ومُحب إلى شخص عداني ومكروه ممن حوله
- التعرّض لحالات مزاجيّة مختلفة ومضطربة؛ كالنوم الزائد عن حده أو قلّة النوم، عدا عن الإصابة بنوبات عصبية حادة
- ظهور علامات القلق والتوتر على نفسية الشخص، بالإضافة لفقدان الشهيّة أو زيادتها
- تراجع الحالة النفسية للشخص المتنمَّر عليه لدرجة التفكير بالانتحار، مع تنفيذه نتيجة المضايقات الكثيرة التي يتعرّض لها
- إهمال الإنسان لمظهره الخارجي وعدم الاهتمام بشكله العام، وعدم قيامه بواجباته المنزلية أيضًا
- لجوء الشخص الذي تعرّض للتنمر لتعاطي المخدرات وشرب الكحول
- تدني احترام وتقدير الشخص المُتنمّر عليه لذاته
الأسئلة الأكثر شيوعًا
نطلعك في هذا الحيّز من المقال على أكثر الأسئلة التي تراود الأفراد عن ظاهرة التنمر، آملين أن نكون قد وفرنا عليك عناء البحث عنها:
كيف أتعامل مع مواقف التنمر؟
في البداية، تأكد من أن الخلل يكمن في الشخص المتنمر، فإما أن يكون قد تعرض للتنمر سابقًا، ويرغب بالانتقام من الجميع، أو قد يكون بسبب الغيرة، فعند التفكير بهذه الطريقة، ستزيد ثقتك بنفسك وعدم اكتراثك عند تلقي مختلف أنواع التنمر اللفظي، وهو أكثر ما يزعج المتنمر، ويوقفه عند حده.
كيف تمتنع عن التنمر؟
ربما إن فكر المتنمر، ولو قليلًا بالعواقب المؤذية التي سيلحقها بمن سيلقي التعليق السلبي عليه، لصمت وامتنع عن ذلك؛ إذ تميل الغريزة البشرية إلى التعاطف مع من يتألم.
من زاوية أخرى، يتوجب علينا دائمًا التفكير قبل التفوه بأي كلمة، والتساؤل حول ما إن كانت التعليقات التي سنطرحها سواء في المجلس أو خلف الشاشات مهمة أم أنها لمجرد تعبئة الفراغ بالصوت، وما إن كانت ستؤذي أحدًا أو تضعه في موقفٍ محرج.
ما سلبيات التنمر؟
يمكننا أن نشبه التنمر بالأداة الحادة، إذ يعمل التنمر على إلحاق أذى نفسي يسبب الألم للشخص المُتنمر عليه، وأثبتت الدراسات أن الحالة النفسية السيئة تؤثر على صحة الإنسان سلبًا، ولها دور في تحفيز بعض الأمراض المزمنة التي قد تؤدي إلى الموت أحيانًا.
ما أعراض التنمر؟
- تقلّب الحالة المزاجية، والشعور بالخوف دائمًا
- ظهور بعض الكدمات في مناطق متفرقة من الجسم
- فقدان الشهية لتناول الطعام أو زيادتها في بعض الحالات
- فقدان القدرة على النوم ورؤية الكوابيس دائمًا
- عدم الرغبة في الاختلاط مع الآخرين أو الخروج إلى الأماكن العامة
- الهروب من الواقع والإصابة بالعصبية الشديدة
ما طرق مواجهة التنمر الوظيفي؟
يتوجب على الموظف الذي يتعرض للتنمر أن يتسلح بالثقة، ويتحلى بالشجاعة الكافية لمواجهة المتنمر ووضع حد لتصرفاته وعدم إتاحة الفرصة له للتمادي أكثر، ولا يعد الصمت أداة فعالة في هذا الموقف؛ إذ يتعين على من يتلقى التنمر عدم السماح لأي شخص بالتقليل من عمله وإنجازاته، وعليه إظهار تقدير عمله على الملأ.
بهذا نكون قد وصلنا إلى ختام مقالنا، وقدمنا دليلًا وافيًا عن ظاهرة التنمر، تلك الظاهرة التي تعاني منها المجتمعات على اختلافها، متطرقين للحديث عن أنواعها وآثارها وكيفية علاجها. إن كنت مهتمًا بالتعرّف على المزيد من المعلومات حول هذا الموضوع، فنوصيك بالاطلاع على ظاهرة التنمر بين الأطفال والمراكز المعنية بعلاج المشكلة من جذورها، ولا تتردد بإلقاء النظر إلى عيادات الطب النفسي في دبي، التي يديرها مجموعة من الأطباء المتميزين والمدربين.
تطرح مدونة ماي بيوت يوميًا مجموعة من الموضوعات المفيدة والممتعة، لذا احرص على متابعتها أولًا بأول. تفضل بإبداء رأيك أو طرح استفساراتك من خلال تركها في حيّز التعليقات الموجود أسفل الصفحة، ولا تنسَ الاشتراك في نشرة ماي بيوت الأسبوعية ليصلك كل ما هو جديد.