السدو الإماراتي نسيج من الأصالة والتاريخ
تحمل دولة الإمارات العربية المتحدة في جعبتها الكثير من القصص عن ذكريات الماضي والتقاليد التي حددت نمط الحياة والفنون والمهارات التي توارثتها الأجيال، بالإضافة إلى الروح الأدبية المميزة التي تغنّى بها الشعراء، ولا زال بعضها يُمارس حتى يومنا هذا ويشكّل مصدر رزق للعديد من الأفراد الذين يمارسونها، ومن أشهرها السدو الاماراتي، الذي يعد أحد أشكال النسيج البدوي التقليدي الذي يميز حياة وثقافة أهل البادية، ويُستخدم في حياكة الخيام والسجاد ورِحال الإبل. ارتأينا أن نطلعك في هذا المقال على كيفية حياكة قماش سدو في الإمارات وما هي منتجاته وغيرها من التفاصيل.
معلومات عن حرفة السدو الاماراتي
يمكن تعريف السدو بأنه من أبرز الحرف التي تلعب دورًا أساسيًا في الحياة البدوية، ومثالًا ملموسًا يعكس مدى براعة أهالي البدو وقدرتهم على التكيف مع بيئتهم الطبيعية، كما تعد ممارسة النساء البدويات لهذه الحرفة إحدى المساهمات الاقتصادية القيّمة التي تقدمها للمجتمع، فضلًا عن الدور الرئيس الذي لعبه السدو في الحياة الاجتماعية للمرأة الإماراتية.
كان السدو قديمًا وسيلة مبتكرة لتلبية الاحتياجات الأساسية للناس في الصحراء، ولكنّه سرعان ما أصبح رمزًا هامًا لإبداع الإنسان الإماراتي وقدرته على التكيف مع ظروف الحياة المتغيرة، حتى أدرجت اليونسكو عام 2011 حرفة السدو الاماراتي ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية الذي يحتاج إلى صون عاجل.
تاريخ صناعة السدو في الامارات
قد لا يكون هناك تاريخ محدد لبداية صناعة السدو أو حتى آلية الشغل فيه وطرق إنجازها، فإنها من أقدم الحرف اليدوية التقليدية في شبه الجزيرة العربية، كما أنها تعطي صورة صادقة عن جهود أولئك الذين عاشوا في البيئة الصحراوية، وعرفوا جيدًا كيف يمكن استغلال مواردها الطبيعية وتسخيرها لصالحهم حتى مع قلتها.
على الرغم من أن السدو لم يعد ظاهرًا في هذه الأيام بشكل جليّ، إلا أنه عُدّ قديمًا شيئًا أساسيًا في حياة من مروا في شبه الجزيرة العربية، فإن المسكن البدوي كان عبارةً عن بيت شعر مصنوع من شعر الماعز وصوف أغنامه، ويمثّل الملجأ الذي يرتاح فيه الفرد من عناء حياته القاسية، ويمتع نظره بالمنسوجات الزاهية بألوانها ونقوشها الجميلة.
مراحل حياكة السدو الاماراتي
تبدأ عملية صناعة السدو بقص صوف الغنم وشعر الماعز وجمع وبر الإبل، ثم تصنيفها حسب اللون والطول، ليتم تنظيف الصوف بطرقه وهزّه لإزالة الشوائب العالقة فيه؛ كالنباتات والأشواك والغبار والأتربة، حتى تصبح أصوافه صالحةً للنسج، ليتم بعدها تنظيفه ثلاث مرات أو أكثر باستخدام الماء الساخن أو البارد مع الطين أو الرماد أو مسحوق السدو الخاص أو الصابون.
يُغزل الشعر أو الصوف باستخدام المغزل، ثمّ يُصبغ بالألوان الزاهية المستخلصة من النباتات والتوابل المتوفرة في الإمارات العربية المتحدة؛ كالحناء والكركم والزعفران والصبار والنيلة، فقد تميّز السدو التقليدي بألوانه المختلفة التي تتنوع بين الأسود والأبيض والبني والبيج والأحمر.
تبدأ بعدها عملية غزل الصوف على النول، وهو آلة الحياكة المصنوعة من النخيل أو خشب العناب، إذ يتم استخدام عدة أنوال عند الحاجة إلى كميات كبيرة من مواد السدو اللازمة لصناعة الخيام أو في الأعراس. وقد جرت العادة أن يُغزل الصوف ويحاك في مجموعات صغيرة، حيث تتبادل النسّاجات أخبار أسرهنّ، وعادةً ما يقمنَّ بالغناء أو إلقاء الشعر؛ كفن التغرودة.
تصاميم وزخارف السدو الاماراتي
تفننت النساء الإماراتيات في زخرفة ونقش السدو بنقوش كثيفة، فهي عبارة عن رموز ومعانٍ مختلفة يدركها البدو ويعرفون ما تحمله من قيم، فبعضها يعبّر عن وشم القبيلة نفسها وبعضها عن المواسم. كذلك يتميز السدو بألوانه الزاهية المتنوعة وزخارفه الجميلة، التي لها أيضًا دلالات اجتماعية مختلفة ومستوحاة من طبيعة أبناء البادية.
تأثرت النقوش والزخارف والأشكال والرموز المستخدمة في حرفة السدو بالبادية، وتميّزت بأشكالها الهندسية التي تبرز الأراضي العُشبيّة المُنبسطة والكثبان الرملية وأشجار النخيل والأزهار والإبل والأغنام والصقور والآيات القرآنية والمساجد وأسماء القبائل، كما عكست أفكارًا معينة؛ فعلى سبيل المثال يجسّد شكل القلادة ذات الحلقات المتداخلة وحدة وتماسك أفراد القبيلة.
منتجات السدو في الامارات
استُخدم السدو في صناعة قماش الخيم وتزيينها من الداخل، وغالبًا ما زُينت الإبل بالعتاد المصنوع من السدو جنبًا إلى جنب مع السروج والأحزمة. لم تقصر حياكة السدو على هذا فحسب، بل استُخدم في صناعة الساحة، وهي المفارش التي تستخدم في فرش المجالس والدواوين، فضلًا عن المساند، التي يستند إليها الجالسون في المجلس، ويتم تزيينها بالخشام، أي تطريز أطرافها لتعطي رونقًا جميلًا.
من زاوية أخرى، دخل السدو في صناعة الدثارة، وهي نسيج جميل وقليل السماكة يستخدم كغطاء للنوم في الشتاء، ناهيك عن المزواد، وهو كيس كبير يستخدم لحفظ الملابس، يماثله قليلًا العدل، وهو عبارة عن كيس كبير لحفظ الأرز أو القمح، فضلًا عن العدول والحقائب الشعرية والرواق والبطان والطرابيش وغيرها الكثير.
في يومنا هذا، لا تزال صناعة هذه المنتجات الملونة مستمرّة، وتشمل الملابس والأقمشة المزخرفة للجمال والأحصنة والخيم البدوية، ووسائد المجالس التي توضع أرضًا، والسجاجيد والحصائر.
بهذا نكون قد وصلنا إلى ختام مقالنا وقدمنا دليلًا وافيًا حول حرفة السدو الاماراتي، تلك الحرفة التي يشتهر بها أهل البادية في المناطق الشحيحة للموارد الطبيعية في شبه الجزيرة العربية، ويحتل مكانة خاصة في المجتمع الإماراتي. إن كنت مهتمًا بالتعرّف على ثقافة الإمارات عن كثب، نوصيك بالاطلاع على الحرف اليدوية الإماراتية حيث يندرج السدو أسفلها، ولا تتردد بإلقاء النظر إلى الملابس التقليدية في الإمارات لكل من الرجال والنساء.
تابع مدونة ماي بيوت، المدونة العقارية الأولى باللغة العربية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وإن كان لديك أي استفسار، يسعدنا أن نساعدك بأي شكل ممكن عن طريق حيز التعليقات أسفل الصفحة، ولا تنسَ الاشتراك في نشرة ماي بيوت الأسبوعية والاستمتاع بكلٍ جديد نطرحه.